أحلام مستغانمي ... الكاتبة المتألقة التي خطفت أضواء الإبداع
تعتبر أحلام مستغانمي من أكثر النساء العربيات شهرة ونجاحا بفضل روايتها المميزة، وأعمالها التي جعلتها تحصد عشرات الجوائز طيلة مسيرتها الأدبية، بعدها انفردت بأسلوب جريء ونادر جعلتها تخطف العقول والأنظار، كما حققت كتب أحلام مستغانمي مبيعات قياسية ودخلت رواياتها قائمة الأفضل في التاريخ العربي، ورغم ذلك لم يكن كل شيء مثاليا بالنسبة لها حيث مرت بظروف صعبة وانتقادات لاذعة حول النقاط والمواضيع التي تتطرق لها في أعمالها.
نشأة من رحم المعاناة
وُلدت أحلام مستغانمي Ahlam Mostghanemi يوم 13 أبريل 1953 في تونس، عندما كانت عائلتها في المنفى، حيث كان والدها، محمد الشريف، مطلوبًا لدى السلطات الفرنسية بسبب تدخله في حرب التحرير الجزائرية، وفي عام 1962 وبعد استقلال الجزائر، عادت عائلة أحلام إلى بلادها، حيث كان لوالدها دورٌ كبير في أول حكومةٍ جزائريةٍ حرة، وارتادت أحلام أول مدرسةٍ عربية في الجزائر، ومن ثم درست في ثانوية عائشة أم المؤمنين وتخرجت عام 1971، و كانت هي وزملاؤها من أوائل المواطنين الجزائريين الذين تعلموا اللغة العربية بدلًا عن الفرنسية، وفي السابعة عشرة من عمرها مرت أحلام بظروف صعبة بعد مرض والدها، وكانت مضطرة للعمل من أجل تقديم المساعدة، ورغم ذلك لم تفرط في دراستها وكانت من بين الأوائل دائما، وفي النهاية تخرجت من جامعة الجزائر بشهادة بكالوريوس في الأدب العربي.
شعر جريء أثار جدلا كبيرا
بداية أحلام كان في مجال الشعر الأدبي، حيث عملت مقدمةً لبرنامج شعر كان يبث على الراديو الوطني لتتمكن من مساعدة أهلها ماديا، ونشرت أول مجموعةٍ شعرية "على مرفأ الأيام"، ولكن بعد مدة من تخرجها من جامعة الجزائر، رفضت التسجيل في برنامج الماجستير الخاص بالجامعة، ورُفضت من اتحاد الكتاب الجزائريين، فلكونها امرأة تكتب باللغة العربية وتتحدث بصدق وصراحة وحرية عن حقوق المرأة، كان ذلك كافيًا ليسبب اضطرابا وجدلا واسعا، ولكن والدها قد دعمها وأثنى على أولى مؤلفاتها الشعرية وشدد على الوقوف بجانبها في كل الظروف لتصل إلى قمة النجاح.
الانتقال إلى باريس والحصول على الدكتوراه
بعد الصعوبات التي واجهتها في الجزائر، قررت أحلام مستغانمي الانتقال إلى العاصمة الفرنسية باريس سنة 1976، وهناك نشرت مجموعتها الشعرية الثانية المسماة "كتابة في لحظة عري". وخلال إقامتها هناك، عادت مرةً أخرى إلى الكتابة، فشاركت في مجلة "الحوار"، ومجلة "التضامن" اللتين كانتا تصدران في باريس، وفي عام 1982، مُنحت شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس، وكانت أطروحتها تتمحور حول التعقيدات في الرجل والمرأة داخل المجتمع الجزائري، وما يجري بينهما من صراعات ناجمة عن عدم التفاهم، وهذا الموضوع نفسه ما جعلها تثير الجدل بسبب شعرها الجريء.
"ذاكرة الجسد"... أبرز الروايات العربية وأكثرها مبيعا !
بعد سنوات في باريس، انتقلت أحلام إلى لبنان، حيث نشرت روايتها الأولى "ذاكرة الجسد"، والتي تتضمن ما كتبته أثناء الفترة التي عاشتها في باريس، والتي اعتبرها النقّاد أهم عمل روائي صدر في العالم العربي في السنوات الأخيرة، وبسبب نجاحاتها أسالت الكثير من الحبر، مما جعلها الرواية الأشهر والأكثر إثارة للجدل، وظلّت لعدة سنوات الرواية الأكثر مبيعاً حسب إحصائيات معارض الكتاب العربية، وتجاوزت مبيعاتها 2 مليون نسخة وربما أكثر، كما دخلت رواية "ذاكرة الجسد" في قائمة أهم 100 رواية عربية، كما تعتبر أفضل روايات أحلام مستغانمي عن الحب، والأمل وكسر التقاليد، كما صدرت عن الرواية عدد من الدراسات والأطروحات الجامعيّة عبر العالم العربي.
قصة مميزة تحولت إلى أعمال تلفزيونية فنية
تدور رواية "ذاكرة الجسد" التي تعتبر أشهر كتابات أحلام مستغانمي عن رسام يدعى "خالد بن طوبال " فقد ذراعه أثناء الحرب، ثم يقع في غرام فتاة جميلة تدعى حياة، وهي ابنة مناضل جزائري كان صديقاً لخالد أثناء ثورة التحرير، لكن والدها قتل أثناء الحرب التحريرية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي،. ومن جانب حياة هي فتغرم بـ خالد دون اعتراف منها بذلك، و مع ظهور صديق له يدعى زياد و هو مناضل في الثورة الفلسطينية تتشابك الأحداث بينهما (خالد و حياة)، لكن و في الأخير تواجه تقاليد مجتمعها و ستتزوج بشخصية كبيرة و ذات نفوذ ضخمة في الحكومة الجزائرية، هذا الزواج و ظروف أخرى قاهرة يمر منها خالد ستتسبب في انهيار كلي لحياته، هذه التحفة جعلت المخرجين يتهافتون لتحويلها إلى عمل سنيمائي وفني مميز، ولكن لم يحصل ذلك، وتأجل إلى 2010 من خلال مسلسل رمضاني شاركت فيه الممثلة الجزائرية أمل بوشوشة تم عرضه على قنوات أبو ظبي، ولكنه لم يحقق نجاحا كبيرا بسبب ضعف السيناريو مقارنة بإبداع الرواية.
فوضى الحواس وعابر سرير ... استمرار الثلاثية
في عام 1997 نشرت أحلام مستغانمي رواية "فوضى الحواس"، التي تعتبر بمثابة تتمة لرواية "ذاكرة الجسد"، حيث جسدت فيها معاني النضال الجزائري والمرأة الجزائرية بالإضافة إلى تراث مدينة قسنطينة العريقة، وفي عام 2003، نشرت أحلام رواية "عابر سرير" الكتاب الأخير ضمن الثلاثية، وقد أعيد طبعها أكثر من عشرين مرة، كما ترجمت إلى عدة لغات عالمية، كما كسبتها شهرة تخطت حدود العالم العربي، وأصبح العالم يعرف من هي أحلام مستغانمي التي تبدع في كل سطر تكتبه على صفحات روايتها الاستثنائية.
الجدل والجرأة في "الأسود يليق بك"
نشرت أحلام كتابها "نسيان. كم" في 2009، وبعدها بثلاثة سنوات عادت لتصنع ضجة كبيرة، ونجاحا قياسيا في نفس الوقت، حيث باعت دور النشر أكثر من مائتي ألف نسخة من روايتها الخامسة "الأسود يليق بك"، وهي تعد من روايات أحلام مستغانمي، إذ تخوض فيها أحلام في صراعات النفس البشرية وأحلامها، وتدور أحداث الرواية حول مليونير لبناني ناهز عمره في الخمسين سنة أعجبته مطربة جزائرية باسم هالة الوافي في العشرينيات من عمرها، حيث شاهدها السيد طلال هاشم مصادفة في برنامج تلفزيوني فقرر أن تكون له، ثم يبدأ طلال في إثراء محصوله الثقافي في الموسيقى والفن والشعر إلى وضع الخطة تلو الخطة للإيقاع بهذه الحسناء التي ترتدي الأسود حدادا على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات التي شهدتها الجزائر في تلك الفترة، هذه الرواية جعلتها محط انتقاد شعبي في الجزائر بسبب المواضيع الحساسة أخلاقيا التي تطرقت لها، رغم الإشادة الكبيرة بأعمالها أدبيا، إلا أنها لم تتمكن من التوسع وسط جميع الطبقات المجتمعية في بلادها وإلى يومنا هذا تعتبر محل انتقاد ورفض من طرف شريحة واسعة.
أقوال أحلام مستغانمي تكتسب شهرة كبيرة
حصدت اقتباسات أحلام مستغانمي وأقوالها شهرة كبيرة في العالم العربي مناصفة مع رواياتها، وأشهر الاقتباسات :
الكبرياء أن تقول الأشياء في نصف كلمة، ألاّ تكرّر. ألاّ تصرّ
وأيضا "لحظة حب تبرر عمراً كاملاً من الانتظار.
ابتعدي عن رجل لا يملك شجاعة الاعتذار
أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر.
يسألونك هل تصلي؟ لا يسألونك هل تخاف الله؟!
قرأت يومًا إن راحة القلب في العمل، وأنّ السعادة هي أن تكون مشغولًا إلى حدّ لا تنتبه أنّك تعيس.
جوائز مرموقة واستحقاقات مميزة
حققت أحلام مستغانمي العديد من الجوائز والاستحقاقات على إبداعها وأعمالها المميزة، حيث فازت بجائزة مؤسسة نور للإبداع النسائي عام 1996 بالقاهرة، وحصلت على جائزة نجيب محفوظ للأدب عام 1998 عن روايتها الأولى "ذاكرة جسد"، وميدالية الرواد اللبنانيين تكريمًا لها على مجمل أعمالها، وميدالية الشرف التي قلدها إياها الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2006، بالإضافة إلى ذلك، منحها مركز دراسات المرأة العربية في باريس ودبي لقب أكثر النساء العرب تميزًا في نفس العام، كما حصلت على وسام التقدير والامتنان من مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس بعاصمة الشرق الجزائري قسنطينة، إضافة إلى أنها كانت شخصية عام 2007 الثقافية للصحافة الجزائرية، وحصلت أيضا على درع مؤسسة الجمار للإبداع العربي عام 2007 في طرابلس، وقد ترجمت مؤلفاتها ورواياتها إلى عدة لغات، كما أدخلت في مناهج المدارس الثانوية والجامعية حول العالم، كما تعتبر أحلام أستاذة زائرة في عددٍ من الجامعات العالمية مثل جامعة بيروت، ومونبيليه وليون، والسوربون، حيث ألقت محاضراتها أمام مئات الطلبة، علما أن آخر إصدارات أحلام كان ديوان "عليك اللهفة" الشعري سنة 2014 بمشاركته مع الملحن مروان خوري، وأيضا كتاب شهيا كفراق عام 2018.
حياة شخصية هادئة بعيدا عن الأضواء
تزوجت أحلام من المؤرخ اللبناني جورجس الراسي عام 1976، والذي كان له اهتمامٌ كبير بالتاريخ الجزائري وأنجبا ثلاثة أبناء، كما أن شهرة مستغانمي الكبيرة قابلها هدوء لحياتها الشخصية بعيدا عن الأضواء، حيث استطاعت الحفاظ على خصوصية حياتها وعائلتها من الصحافة والجدل، واستمر ذلك إلى يومنا هذا.